إذا كانت الجامعة كمؤسسة علمية عاجزة في المغرب عن اقتراح وإنتاج المعرفة وتطويرها، فإن هناك أسبابا عدة ترشحها للإستمرار في هذا الوضع، بل والحرص على بقاء هذا الوضع بكل اختلالاته وسلبياته وأوهامه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. غير أن ما يؤسف له، هو أن أساتذة الجامعة يلعبون أدوارا شتى ومتنوعة مقرفة وسيئة للغاية، تزيد من أزمة الجامعة، وتطيح بها بعيدا عن أي أمل في التغيير أو تجديد البناء.
وقبل أن أكشف عن طبيعة هذه الأدوار السلبية لكثير من هؤلاء الأساتذة، أشير إلى أن هناك إرادة سياسية ترمي إلى إضعاف دور الجامعة في تقديم المعرفة وإنتاجها، وفي تخريج طالبات وطلبة أكفاء وقادرين على العطاء والعمل وبناء المجتمع.. وهذه الإرادة ليست أمرا جديدا، ولست أول من يتحدث عنها ويفضحها، وإنما هي قديمة، وتعود إلى سنوات الاستعمار الفرنسي والإسباني الغاشمين وما بعدهما. ولعل المتأمل في ظاهرة إرسال أبناء بعض «قادة» ما سمي بالحركة الوطنية إلى الخارج للتعلم والدراسة، يكفي لمعرفة الجواب عن السؤال التالي: «لماذا أصر مسؤولو ما بعد الاستقلال على إبقاء الجامعة المغربية ضعيفة التربية والتعليم، في الوقت الذي كانوا فيه متحمسين لإرسال أبنائهم إلى فرنسا (بالذات)؟.
لكننا كنا نعتقد أن تمكن عدد كبير من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة من ولوج الجامعة كأساتذة، سينهي حلم تجهيل المغاربة وتغفيلهم، بجعل الجامعة مختبرا حقيقيا لإنتاج المعرفة والتنمية، وللإرتقاء بالإنسان / المواطن المغربي في سلم الكرامة والحرية والعدالة.
إن اعتقادنا هذا – للأسف الشديد – لم يكن صائبا، لأن أغلب هؤلاء الأساتذة نظروا إلى الجامعة كصفقة تجارية مربحة، أو لنقل بعبارة مغربية مشهورة، نظروا إليها كلقمة للعيش.. حيث انتصبوا بهمة ونشاط لتدريس مواد جاهزة أبدعها مفكرون وعلماء عرب وغربيين دون أدنى اجتهاد منهم أو تمحيص، منتظرين أواخر الشهور للإمساك بأجور عرقهم الذي ينشف قبل أن يخرج من مسام جلودهم.
إن جل هؤلاء الأساتذة كسالى لا يبذلون أي تعب من أجل مواكبة تطورات الواقع الثقافي والمعرفي والعلمي المتعلق بما يدرسونه. يقتاتون من كتب غيرهم، ومن مؤلفات رجال علم رحلوا عنا منذ عقود طوال، وإذا ما اجتهدوا في تقديم محاضرات ما، فإنها غالبا ما تكون فصولا كاملة وحرفية من من هذا الكتاب أو ذاك.. إنهم لا ينتجون ولو مقالة علمية واحدة طيلة العام الدراسي، ويبدعون فقط في إحالة طلبتهم بالرجوع إلى مراجع معينة.
أبمثل هؤلاء يمكن أن نتحدث عن جامعة مغربية معطاءة؟ مساهمة في بناء المواطن؟ مشاركة في ضمان الأمن المعرفي والثقافي للأمة؟ إننا نتكلم هنا عن أساتذة الآداب والقانون والاقتصاد والعلوم السياسية (يقول عنهم طلبتهم باللغة العامية: نقالة درجة أولى).. أما أساتذة العلوم والتقنيات (إلا من رحم ربك وهم فئة لا تتجاوز أصابع الكف) فإنهم أبعد الناس عن الإبداع والابتكار.
والطريف هو أنه بالرغم من أن هؤلاء الكسالى لا يجتهدون و لا يبدعون، فإن الدولة لا تتورع عن ترقيتهم والزيادة في أجورهم، في الوقت الذي تعتمد فيه الدول التي تحترم نفسها معيار الإنتاج العلمي أساسا لأي ترقية أو زيادة في الأجر.
نحن لا نعمم، لأن هناك أساتذة – رغم قلتهم – يبدعون طيلة العام الدراسي في إنتاج كتب علمية وثقافية جيدة، وينشرون على صفحات دوريات ومجلات عربية وأمريكية مقالات علمية رصينة وجديدة المضمون، ويطلون علينا - كل أسبوع تقريبا - من كثير من المواقع الإلكترونية بمقالات رأي وتعليق تؤكد ارتباطهم القوي والمتصل بواقعهم الاجتماعي والسياسي.. بل ويسارعون إلى المشاركة في أنشطة حقوقية وثقافية بمداخلات تزخر بالجديد والمثير للجدل.. لهؤلاء نصفق.. وبهؤلاء يمكن لنا أن نرفع من قدر الأمة و نعيد لها عزتها.. وبهم قد تتحول الجامعة المغربية إلى مؤسسة فاعلة ومؤثرة في بناء الوطن والمواطنة.. وللدولة نقول: كفى من تشحيم بطون الأساتذة الكسالى بأكياس من أموال الشعب، فإنهم لا يستحقون ذلك أبدا.